من منبر الجمعة (2): وقفات مع الامتحانات...!!!

وقفات مع الامتحانات الجمعة 11/2/1430هـ

عباد الله : ها نحن على مشارف امتحانات لأولادنا بنين وبنات ، فها هي البيوت قد أعلنت حالات الاستنفار والاستعداد لمواجهة ذلك الأمر ، وهذا أمر محمود لما يعود به من النفع على الأولاد حاضراً ومستقبلاً ، ما لم يتجاوز بها حدها.
وفي ظلال هذه الامتحانات ينبغي لنا وقفات معاشر الآباء والأمهات ، وأنتم أيها الطلاب والطالبات ، وكذلك أنتم أيها المدرسون والمدرسات ، نقف فيها مع أنفسنا وقفات صادقة ناصحة نحاسب ونراجع فيها أنفسنا وأعمالنا وأحوالنا مع الله ربنا ومع ديننا العظيم.

عباد الله : إن هذه الامتحانات ومعايشتها لتنقلنا وتذكرنا بامتحانات أخرى ، ومن نوع آخر قد لا يفطن لها المرء ، وهو في زخم الحياة وكثرة الانشغالات ، مما يجدر بنا التذكير بها والوقوف معها قليلاً ، لعل الله أن يجعلني وإياكم من عباده المتفكرين والمتذكرين.

عباد الله : لقد جاء ذكر الامتحان في القرآن الكريم والسنة المطهرة في مواطن عدة بألفاظ متنوعة ، منها: الفتنة : كقوله تعالى : (( ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )) ، ومنها الابتلاء كقوله : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم )) ، فالمؤمن مبتلى وممتحن في هذه الحياة حتى يلقى ربه - جل وعلا - .

فهو ممتحن بأحكام الله الشرعية من الأوامر والنواهي ، وممتحن بأحكامه الكونية القدرية من السراء والضراء ، وعلى قدر إيمان المؤمن يكون عظم البلاء فليعلم ذلك وليتهيأ له ، (( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)) فيظهر بالامتحان والابتلاء أهل الصدق والإيمان ، ويسفل أهل الكذب والكفران .

فالواجب على المؤمن تجاه الأحكام الشريعة : مقابلة الخبر بالتصديق ، والأمر بالامتثال ، والنهي بالاجتناب ، وأما أحكامه الكونية القدرية فالواجب عليه مقابلتها بالصبر والاحتساب .

وعلى ذلك فليعلم المؤمن أنه ممتحن بكل أمر ونهي ، وقضاء وقدر ، وله أن يتساءل نفسه عن حاله مع الأخبار والأوامر والنواهي ؟ كم من خبر صادق جاءه فلم يصدقه أو لم يعمل بمقتضاه في حياته ، وكم من أمر امتحنه الله به فلم يمتثله ، وكم من نهي امتحنه الله به فلم يجتنبه .
تهاون بل ترك للصلوات ، وهجر للجمعة والجماعات ، ومنع للزكوات ، وبخل بالنفقات ، قطع للأرحام والأخوان ، وإساءة للأصحاب والجيران ، وقوع في المحرمات وتهالك على الشهوات ، تضجر من القضاء والقدر ، وسوء ظن بالجواد الرحيم – سبحانه -!!!
فما نتائج أحوالنا - عباد الله - مع تلك الامتحانات ؟، هل جاهدنا أنفسنا على الاستجابة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ؟ هل سارعنا إليها ؟ هل ثبتنا عليها ؟ هل تبنا واستغفرنا من تقصيرنا فيها ؟.

والمصيبة كل المصيبة أننا قد نخسر وننهزم أمام تلك الامتحانات ونحن لا نشعر !
فإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

أحدنا ديدنه فوات صلاة الفجر والجماعة عليه وهو لا يشعر! وآخر عاق لوالديه وهو لا يشعر ! وثالث يأخذ الرشوة دوماً في عمله وهو لايشعر! ورابع ظالم للعمال وهو لا يشعر! وشاب يضيع أوقاته وفني شبابه في ما لا فائدة فيه بل في المحرمات من الملذات والملبوسات والمسكرات وهو لا يشعر ! وامرأة ظالمة لنفسها وغيرها بالتبرج والسفور وهي لا تشعر! وأخرى ولاجة خراجة مختلطة بالرجال وهي لا تشعر! فأين النجاح الحقيق والفوز الكبير.

عباد الله : وكما أن العبد المؤمن ممتحن كما سبق ، فكذلك الأمة المسلمة ممتحنة حتى تتميز
وتقوى ، فممتحنة بالحكم والعمل بكتاب ربها وسنة رسولها – صلى الله عليه وسلم - ، والتمسك بهما والمصابرة عليهما في وجه تلك الهجمات الشرسة عليها وعلى دينها وعقيدتها ومصادر التشريع فيها.(( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيهم شيئاً )).
وكذلك الأمة المسلمة ممتحنة في سلمها وحربها ، وانتصارها وهزيمتها ، ((وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا ...)) وأما وسبيل انتصارها في أحوالها تلك : تحقيق الإيمان بالله والثقة به والتوكل عليه وحسن الظن به ، وكذلك الإكثار من الأعمال الصالحة ، والاستغفار من الإسراف في أمرها وسؤال الله العافية والثبات عند اللقاء (( إن ينصركم الله فلا غـالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى فليتوكل المؤمنون )).

عباد الله : وهذه الامتحانات كما أنها قد ذكرتنا بالامتحانات الدينية الدنيوية فهي كذلك تذكير لنا بامتحان الآخرة ، ولقاء العبد لربه وقدومه عليه ثم السؤال والحساب والجزاء لما كنا عاملين.

فالأسئلة من العليم الخبير ، معلومة ظاهرة مخبر بها لتقوم الحجة على العباد ، (( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ))
من ربك ؟ ما دينك ؟ من رسولك ؟ ثم عن علمه ماذا عمل به ؟ وعن عمره فيما أفناه ؟ وعن شبابه فيما أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن صلاته وسائر عمله ؟ فهل أعددنا لها جواباً؟ إنها أسئلة مكشوفة ولكن الإجابة عليها من نوع آخر ليست بالمذاكرة والحفظ والذكاء والمغامرة ، بل تنطلق من الإيمان الصادق والعمل الصالح الذي كان يتصف بهما العبد في الحياة الدنيا ، (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )) ،

والرقيب هو العليم الخبير ، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو العزيز الحكيم.

وأما فترة الاستعداد لهذا الامتحان الأخروي المكشوف فقد كانت حياة العبد الدنيوية ، فلم تكن أشهراً ولا فصولاً ، بل هي سنوات عديدة ، تقلب فيها العبد وعاشها ، وأما عند اللقاء فسؤال وجواب لا غير.

والحساب والجزاء من العليم القدير ، لا من بشر يخطئون أو يجاملون ، (( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن سريع الحساب )) ، (( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )). فالنجاح يومئذ نجاح حقيقي وفوز عظيم (( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن
النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) ، ومن خاب هنالك وخسر فتلك الندامة والحسرة الحقيقية ، (( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين)) ، ولا رجعة بعد تلك الخسارة ولا معاودة للامتحان مرة أخرى ، (( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يبعثون )) .

-----
الخطبة الثانية

عباد الله :
ومما يجدر ذكره في هذا المقام بعض التذكير والتوجيه للآباء والأمهات في هذه الامتحانات ، فمن ذلك :
أولاً : أن يتوسطوا في المتابعة لأولادهم في الاستذكار ، فلا يغلوا فتكون أعظم من أمور ونواهي دينهم امتثالاً ومخالفة ، بل يفرط بعض الآباء والأمهات حتى يجعلوا من الامتحانات شبحاً يقض مضاجعهم وتصيبهم من الرهبة ثم العجز والوهن.

ثانياً : ليتقوا الله - جل وعلا - في أولادهم ، فلا تكن الامتحانات الدراسية ومتابعتهم فيها أهمَّ وأعظم من أمور دينهم ، فيتابعوا ويجتهدوا فيها ، ويهملوا ويفرطوا في أمور أولادهم الدينية ، والله يقول : (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) ، ورسولنا – صلى الله عليه وسلم يقول : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...) الحديث.

ثالثاً : ليحذروا تفلت الأولاد بعد انقضاء الامتحان ، فهو وقت تجمعات مشبوهة لرفقاء السوء ،
فليتابعوا أولادهم وليوصوهم بالرجوع المبكر إلى المنزل .

*ومن ذلك كذلك : وصايا للطلاب والطالبات تكون لهم عوناً على النجاح والتفوق ، فمنها:
أولاً : الوصية بتقوى الله تعالى ، فإن الله قد تكفل لمن اتقاه بتفريج الهم ، وتنفيس الكرب ، فقال : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً )) وقال : (( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً )) ، ولكن ليعلم الطالب والطالبة أن تقوى الله ليس بالخداع فيتقي الله في الامتحانات ويخالف بعدها ، وكان مفرطاً قبلها ، فيصدق مع الله يصدقه جل وعلا.

ثانياً : استعن بالله ولا تعجز واجتهد ما استطعت.

ثالثاً : ليعلم الطالب أنك لن تستطيع المذاكرة بفاعلية ما لم تكن مقتنعاً اقتناعاً تامًا بما تفعل.

رابعاً : أعط عقلك وجسدك راحة لمدة خمس إلى سبع دقائق كل نصف ساعة.

خامساً : إذا ضاق صدرك وأغلقت الدنيا في وجهك أثناء المذاكرة فتوضأ وصل ر كتعين تطوعاً، فإن قدوتك - عليه الصلاة والسلام- كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

سادساً : احذر أشد الحذر من السهر، واحرص على النوم المبكر ، والبعد كل البعد عما يسوقه المروجون للمنبهات والمنشطات ثم المخدرات في الخفاء.

سابعاً : حاول أن لا تنام بعد صلاة الفجر.

ثامناً : وجبة الإفطار قبل الامتحان أفضل بكثير منها بعده .

تاسعاً : لا تنس طلب الدعاء من الوالدين قبل أن تخرج من المنزل وخاصة والدتك، لأن ذلك من أعظم أسباب النجاح.

تاسعاً : اجعل لذكر الله وقراءة القرآن جزءً من وقتك ولو بين الأذان والإقامة، حتى لا يقسو قلبك.

عاشراً: كن واثقاً من نفسك متفائلاً بجهدك ، فإن صعب عليك امتحان يوم مضى فلا تقف معه وتتحسر عليه فتضعف فيما بعده.
واحذر بعد الامتحان التجمعات الشبابية ، ومصاحبة المترجلين بالتدخين والتفحيط والجوس خلال الديار ، وعد إلى منزلك آخذا قسطاً من الراحة أو مستعداً للامتحان المقبل.

وهناك مذاكرة مع المدرسين والمدرسات في الامتحانات ، منها :

أولاً : أن يعلموا أن الامتحان ليس إلا مجرد مقياس علمي محدود للطالب فقط ، فليس نجاح الطالب وقدراته ومهاراته وعبقريته محصورة في هذا الامتحان ، فلا نتجاوز الحقائق ونعطل الطاقات والقدرات.

ثانياً : ليتذكر المدرس والمدرسة أن الامتحان ليس استخراج معلومات من ذهن الطالب والطالبة فحسب ، بل من خلال الامتحان قد يربي المدرس والمدرسة الطالب والطالبة بانتقاء السؤال المفيد والمثمر في الحياة العملية ، بل قد يكون السؤال طرحاً لحل مشكلة معاصرة ، بأسهل أسلوب وأخصر طريقة.

ثالثاً : ليحرصوا على تفوات مقدار الأسئلة ليستطيع الجميع المشاركة في الإجابة ، فيكون هناك أسئلةٌ يستطيع الجميع الإجابة عليها ، وهناك أسئلةٌ للخاصة ، وثالثةٌ للأخص من الطلاب ليبرز التميز بين الطلاب.

رابعاً : ليواصلوا التوجيه والإرشاد والتربية في أوقات وقاعات الامتحان وفناء المدرسة، فلا تنقطع العلاقة بينهم وبين الطلاب بإنهاء المقررات الدراسية في الفصول ، بل لا يزالون ينهلون منكم فلا تبخلوا عليهم...والله المسؤول أن يختم الجهود بالتوفيق والنجاح.

كل الشكر والامتنان على روعهـ بوحـكـ ..

وروعهـ مانــثرت .. وجماليهـ طرحكـ ..

دائما متميز في الانتقاء

سلمت يالغالي على روعه طرحك

نترقب المزيد من جديدك الرائع

دمت ودام لنا روعه مواضيعك

» خطبة : وقفات اعتبار مع نزول الأمطار
» اذكى طرق للغش في الامتحانات
» أوعى تهين نفسك في الامتحانات