زيد بن
حارثة : زيد بن حارثة بن شراحيل، بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن
عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة
بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن
لحاف بن قضاعة. هكذا نسبه ابن الكلبي وغيره، وربما اختلفوا في الأسماء
وتقديم بعضها على بعض، وزيادة شيء ونقص شيء، قال الكلبي: وأمه سعدى بنت
ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت من بني معن من طيئ. وقال ابن إسحاق: حارثة
بن شرحبيل. ولم يتابع عليه، وإنما هو شارحيل، ويكنى أبا أسامة. وهو
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشهر مواليه، وهو حب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، أصابه سباء في الجاهلية لأن أمه خرجت به تزور قومها بني
معن، والذي لم يتجاوز الثامنة من عمره ......... وفي الطريق أغارت عليهم
خيل بني القين بن جسر، فاخذوا زيداً، فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن
حزام بأربعمائة درهم ووهبه لعمته خديجة بنت خويلد، وقيل: اشتراه من سوق
حباشة فوهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة وهو ابن
ثماني سنين وقيل: بل رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء بمكة
ينادى عليه ليباع، فأتى خديجة فذكره لها، فاشتراه من مالها، فوهبته لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه. وقال ابن عمر: ما كنا ندعو زيد
بن حارثة إلا زيد بن محمد، حتى أنزل الله تعالى: {ادْعُوهُمْ
لآبَائِهِمْ} وكان أبوه شراحيل قد وجد لفقده وجداً شديداً، فقال فيه:
الطويل: بكيت على زيـد ولم أدر ما فعل ** أحي يرجى أم أتى دونه الأجل فو
الله ما ادري وإن كنت سـائلاً أغالك سهل الأرض أم غالك الجبـل فيا ليت شعري
هل لك الدهر رجعة فحسبي من الدنيا رجوعك لي مجل تذكرنيه الشمس عند طلوعها
وتعرض ذكراه إذا قارب رجوعك الطفل وإن هـبـت الأرواح هـيجن ذكره فيا طول ما
حزني عليه ويا وجل سأعمل نص العيس في الأرض جاهداً ولا أسأم التطواف أو
تسأم الإبل حياتي أو تأتــي علي منيــتي وكل امرئ فان وإن غره الأمل سأوصي
به قيسـاً وعمراً كليهما وأوصي يزيداً ثم مـن بعده جبل يعني جبلة بن حارثة،
أخا زيد، وكان أكبر من زيد، ويعني بقوله: يزيد. أخا زيد لأمه، وهو
يزيد بن كعب بن شراحيل، ثم إن ناساً من كلب حجوا فراوا زيداً، فعرفهم
وعرفوه، فقال لهم: أبلغوا عني أهلي هذه الأبيات، فأني أعلم أنهم جزعوا
علي، فقال: الطويل: احن إلى قومـي وإن كـنـت نـائياً فإني قعيد البيت
عند المـشـاعـر فكفوا من الوجد الذي قد شـجـاكـم ولا تعملوا في الأرض نص
الأباعر فإني بحمد اللـه فـي خـير أسـرة كرام معد كابـراً بـعـد كـابـر
فانطلق الكلبيون، فاعلما أباه ووصفوا له موضعه، وعند من هو، فخرج حارثة
وأخوه كعب ابنا شراحيل لفدائه، فقدما مكة، فدخلا على النبي صلى الله عليه
وسلم: فقالا: يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، جئناك
في ابننا عندك فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه. فقال: "من
هو"؟ قالوا: زيد بن حارثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"فهلا غير ذلك". قالوا: ما هو؟ قال: "ادعوه وخيروه، فإن
اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني
أحداً". قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت. فدعاه رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: "هل تعرف هؤلاء"؟ قال: نعم، هذا أبي وهذا
عمي. قال: "فأنا من قد عرفت ورأيت صحبتي لك، فاخترني أو
اخترهما". قال: ما أريدهما، وما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني
مكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية
وعلى أبيك وأهل بيتك؟! قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئاً، ما أنا
بالذي أختار عليه أحداً أبداً. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال: "يا من حضر، اشهدوا أن زيداً ابني، يرثني
وأرثه". فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا. فما الذي رآه
زيد من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وأي حب وأي إحتواء وأيه رعاية
كريمة كان يلقاها من محمد رسول الله حتى آثره على أمه وأبيه ؟ ! لم يكن زيد
يعلم من أمر نبوته عليه الصلاة والسلام شيئاً لكنه بطهر قلبه ونقاء سريرته
استشف أنواره صلى الله عليه وسلم وشعر ببركات بيته الطاهر فإختاره وكان
هذا الإختيار سبب كل خير في حياة زيد رضي الله عنه ... وروى معمر، عن
الزهري قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبد الرزاق:
لم يذكره غير الزهري. قال أبو عمر: وقد روي عن الزهري من وجوه أن أول
من أسلم خديحة. وقال ابن إسحاق: إن علياً بعد خديجة، ثم أسلم بعده زيد،
ثم أبو بكر. وقال غيره: أبو بكر، ثم علي، ثم زيد رضي الله عنهم.
وواكب زيد رضى الله عنه احداث الدعوه عن قرب فهو من اهل البيت ويزداد يوماً
بعد يوم قرباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحباً , حتى اصبح من احب
الناس إليه , فكان يشتاق إليه إذا غاب , ويفرح بقدومه إذا عاد .. ويشيع أمر
حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... لزيد حتى يطلق عليه المسلمون ( حب
رسول الله ) وتتجلى مظاهر الحب في كلمات النبي يخاطب بها زيداً فيقول (
يازيد أنت مولاي ومني وإلي , وأحب الناس إلي ) تلك هي المنزلة العظيمة التي
حظي بها زيد رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . وزوجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم مولاته أم أيمن فولدت له: أسامة بن زيد. فنال من
الحب ما ناله أبوه وورث هذا الحب عن أبيه فسمي الحب ابن الحب ... وهاهي
مسيرة الجهاد سائرة بفضل الله ويساهم رضي الله عنه في وضع اللبنات الأولى
لبنيان الدين العظيم متبعاً اوامر سيده ونبيه صلوات الله وسلامه عليه .
ويلازم الرسول ويدفع عنه الأذى أيام المحنة في بداية الدعوة ... ويكون
رفيقه إلى الطائف يمسح الدم عن وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم ويصد عنه
حجارة ثقيف .. يهاجر زيد إلى المدينة مع المهاجرين فيؤاخي رسول الله صلى
الله عليه وسلم بينه وبين عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ...وفي هذا
اعلان واضح عن إلغاء الإسلام لفوارق النسب ومقاييس الجاهلية ... ويشهد الحب
بدراً فيقتل فيها المشرك حنظلة بن أبي سفيان بن حرب , حتى إذا كتب الله
النصر فيها للمسلمين يرسله الرسول صلى الله عليه وسلم بشيراً إلى المدينة
بالظفر والنصر ثم يقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم في احد ويشهد معه كذلك
الخندق وخيبر ... حتى كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول ما بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سرية إلا امره عليهم ولو بقي
لاستخلفه .... فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد أكرامه لزيد
وتحقيقه لقيم الإسلام النبيلة فيزوجه من ابنة عمته زينب بنت جحش , رضي الله
عنها , السيدة القرشية ذات الحسب والنسب ... ولكن الزواج لا يستمر فيطلقها
زيد رضي الله عنها .... أخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران، وغير واحد،
بإسنادهم إلى محمد بن عيسى السلمي قال: حدثنا علي بن حجر، أخبرنا داود بن
الزبرقان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن عائشة قالت، لو كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية:
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ
عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي
نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن
تَخْشَاهُ} إلى قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} ،
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها، يعني زينب، قالوا: إنه
تزوج حليلة ابنه، فانزل الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ}. وكان زيد يقال له: زيد بن محمد. فانزل الله عز
وجل: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} ،
الآية. قد روي هذا الحديث عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن
عائشة. وأخبرنا عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله
بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا الحسن، أخبرنا ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب،
عن عروة، عن أسامة بن زيد بن حارثة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أن جبريل عليه السلام أتاه فعلمه، الوضوء والصلاة، فلما فرغ الوضوء أخذ
فنضح بها فرجه. ولما سير رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى الشام
جعل أميراً عليهم زيد بن حارثة، وقال: فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن
قتل فعبد الله بن رواحة. فقتل زيد في مؤتة من أرض الشام في جمادى من سنة
ثمان من الهجرة ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر قتل جعفر وزيد
بكى، وقال: "أخواي ومؤنساي ومحدثاي". وشهد له رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالشهادة، ولم يسم الله سبحانه وتعالى أحداً من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحاب غيره من الأنبياء إلا زيد بن حارثة. وكان زيد أبيض
أحمر، وكان ابنه أسامة آدم شديد الأدمة. وخرج صلى الله عليه وسلم مشيعاً
للجيش حتى بلغ ثنية الوداع , فوصى الجند وكان مما قال : ( اغزوا بسم الله,
في سبيل الله , فقاتلوا من ك